في طريق عودته من القاهرة إلى روما كانت للبابا فرنسيس دردشة مع الصحفيين المرافقين للوفود البابوي على متن الطائرة التي أقلته إلى العاصمة الإيطالية. أجاب البابا على أسئلة طرحها عليه الصحفيون الإيطاليون والأجانب وتناولت مواضيع عدة.
التقيت يوم أمس الرئيس السيسي: هل تحدثت بشأن حقوق الإنسان، وقضية جوليو ريجيني؟ هل ستعلم الحقيقة؟
"عندما ألتقي مع رئيس دولة خلال حديث خاص، (ما نتحدث به) يبقى أمرًا خاصًا إلا إذا تم الاتفاق على جعله علانية. لقد كان لي أربع حوارات خاصة واعتقد أن ما كان أمرًا خاصًا يجب أن يبقى أمرًا سريًا من منطلق الاحترام. أما بخصوص ريجيني: فإنني مهتم، وقمت بإجراءات في هذا الشأن مع الكرسي الرسولي، وكذلك لأن والديه قد طلبا مني القيام بذلك. لقد قام الكرسي الرسولي بالتحرك في هذا الموضوع. لا توضيح كيف تم ذلك، لكنه قد تم فعلاً".
قلت بالأمس أن السلام والازدهار والتنمية تستحق كل تضحية، وأنه من الضروري احترام حقوق الشعوب غير القابلة للتصرف. هل كان ذلك دعمًا للحكومة المصرية التي تحاول أن تدافع عن المسيحيين؟
"لقد تحدثت عن قيم كهذه؛ عن الدفاع عن السلام، والتآخي بين الشعوب، والمساواة بين المواطنين بغض النظر عن دياناتهم. إنها قيم كنت قد تحدثت عنها مسبقًا. فإذا ما دافع زعيم عن إحدى هذه القيم أو غيرها فإن ذلك يمثل شأن آخر. لغاية الآن، قمت بثمانية عشر رحلة، وفي العديد من الدول سمعتهم يقولون: ’إن البابا يدعم هذه الحكومة أو تلك‘. لكل حكومة ما دائمًا ضعفها، أو أعداؤها السياسيون الذين يقولون أمورًا مختلفة. أنا لا أتدخل، إنما أتحدث عن القيم. يستطيع كل شخص أن ينظر ويصدر أحكامه إذا ما كانت حكومة أو دولة ما تحقق هذه القيم".
في خطابك الأول الموجه إلى الأزهر، تحدثت عن مخاطر اتخاذ خطوات فردية قائلاً أن على كل شخص أن يبني السلام. لقد تحدثت عن حرب عالمية ثالثة بصورة مجزأة: اليوم هنالك خوف عما يجري في كوريا الشمالية. لقد أرسل الرئيس ترامب سفنًا حربية، في حين هدد زعيم كوريا الشمالية بضرب كوريا الجنوبية بالقنابل. إن هذا حديث طارىء عن حرب نووية. إذا ما التقيت بترامب أو زعماء آخرين، ماذا ستقول لهم؟
"إنني أدعوهم وأحثهم على العمل لحل مشاكلهم بالطرق الدبلوماسية. هنالك أمور مساعدة ميسرّة، ووسطاء مستعدون لتقديم جهودهم. هنالك دول مثل النرويج مستعدة دائمًا لتقديم المساعدة، وإنني أقول ذلك على سبيل المثال. إن الدرب يسير من خلال المفاوضات والحلول الدبلوماسية. إن الحرب العالمية المجزأة التي كنت أتحدث بشأنها على مدار سنتين من الآن هي مجزأة، إلا أن هذه الأجزاء قد ارتفعت وتركزت في بقاعٍ كانت على المدى البعيد مشتعلة. كان هنالك حديث منذ سنة عن الصواريخ الكورية، لكن يبدو الآن أن الأمر قد ازداد سخونة كثيرة. إنني أحثّ على إجراء مفاوضات لأنها تتعلق بمستقبل الإنسانية: فاليوم فإن حربًا متسعة ستدمّر جزءًا كبيرًا من البشرية، وهذا أمر مريع! دعونا ننظر إلى بلدانٍ تعاني من حروب داخلية، في الشرق الأوسط، واليمن، وإفريقيا. دعونا نتوقف، ونبحث عن حلولٍ دبلوماسية. أعتقد أنه من مهمة الأمم المتحدة أن تلوم زعمائها لأنهم قد ضعفوا قليلاً".
هل ترغب بلقاء الرئيس ترامب؟
"لم تبلغني وزارة الخارجية بعد عن هذا الشأن. لكنني سأستقبل كل رئيس دولة يطلب لقائي".
إنك تتحدث مع الأزهر بخصوص الشعبوية الغوغائية. هنالك توجه لدى كاثوليك فرنسا للتصويت لليمين المتطرف والشعبوي. كما أنهم منقسمون نحو مرشحين اثنين. ما هي عناصر التمييز التي تستطيع أن تقدمها لهؤلاء الناخبين الكاثوليك؟
"كان عليّ أن أعيد تعلّم مفهوم الشعبوية في أوروبا، لأن لها معنى آخر في أمريكا اللاتينية. هنالك مشكلة في أوروبا والاتحاد الأوروبي. لن أكرر ما قلته مسبقًا بشأن أوروبا، لقد تحدثت عن هذا الشأن بضع مرات؛ عندما كنت مرتين في ستراسبورغ، ومن ثم في منحي جائزة شارلمان، وأخيرًا بمناسبة الذكرى الستين لاتفاقيات روما. فلدى كل دولة الحرية باتخاذ الخيارات التي تعتقد أنها مناسبة، وقبل ذلك أستطيع أن أصدر حكمي فيما إذا كان هذا القرار قد اتخذ لسبب أو لآخر. أنا لست مدركًا للسياسات الداخلية. صحيح القول أن أوروبا تمر في مرحلة حرجة من التفتت، وذلك حقيقي. علينا أن نتوسط. هنالك مشكلة مخيفة أو ربما تعزز هذه الظاهرة، وهي مشكلة الهجرة. لكن دعونا لا ننسى أن أوروبا قد تشكلت لعقود وعقود من المهاجرين الذين هم نحن. إنها مشكلة تحتاج إلى دراسة جيدة، في حين يجب احترام الآراء من خلال نقاشات سياسية أكبر. أما بشأن فرنسا: فإنني أقول الحقيقة، أنني لا أفهم سياسات فرنسا الداخلية، وقد حاولت أن أقيم علاقات طيبة مع الرئيس الحالي، والتي شابت علاقتنا بعض التوتر في إحدى المرات، لكنني أستطيع التحدث بوضوح عن هذه الأمور. أما بخصوص المرشحين الفرنسيين، فإنني لا أعرف عنهما، ولا أعرف من أين أتيا، لكنني مدرك أن أحدهما يمثل اليمين، أما الآخر فلا أعلم من أين يأتي، ولذلك لا أستطيع أن أقدم رأيي. وبالحديث عن الكاثوليك، في أحد الأيام عندما كنت أقدم التحية لبعض الناس، سألني أحدهم: ’لماذا لا تفكر في سياسات عالية المستوى؟‘. لقد أراد أن يقيم حزبًا سياسيًا من الكاثوليك! إلا أن هذا الرجل الطيب مازال يعيش في القرن الماضي!".
منذ أيام قليلة، استعملت عبارة ’مخيمات اعتقال‘ عندما تحدثت عن اللاجئين، وهذا أمر خطير جدًا بالنسبة لنا نحن الألمان. بعض الناس يقولون أنها زلة لسان...
"قبل كل شيء أود أن أذكرك بكل ما قلته. لقد تحدثت عن أكثر الدول الأوروبية كرمًا، مستذكرًا إيطاليا واليونان. أما بخصوص ألمانيا: فإنني معجبًا دائمًا بقدرة الشعب الألماني على الاندماج. فعندما كنت أتلقى تعليمي هناك، كان هنالك العديد من الأتراك مندمجين في فرانكفورت، وكانوا يعيشون حياة طبيعية. إنما ما قلته لم يكن زلة لسان! هنالك مخيمات للاجئين هي في الواقع معسكرات اعتقال حقيقة. قد يكون بعضها في إيطاليا، والبقية في أماكن أخرى. تَفكر فيما يفعله أناس عندما يكونون في حقل مقفل عليهم من دون أن يتمكنوا من الخروج. تَفكر فيما حدث في شمال أوروبا عندما أراد المهاجرون عبور البحر إلى إنجلترا وتم التحفظ عليهم. هنالك شيء جعلني أضحك وهذا جزء من الثقافة الإيطالية: هنالك مخيم للاجئين في بلدة صغيرة في صقليا. تحدث زعماء البلدة إلى اللاجئين قائلين: ’إن وجودكم هنا يسبب الأذى لصحتكم الذهنية، عليكم بالخروج من هنا، ولكن أرجوكم ألا تقوموا بأعمال مسيئة. لا نستطيع فتح البوابات لكم، لكننا سنفتح ثقبًا في الخلف بحيث تستطيعون الخروج، وتسيرون في البلدة...‘. وبذلك أقاموا علاقات طيبة مع سكان البلدة الصغيرة: لا يرتكب المهاجرون أعمالاً تتسم بالإثم أو بارتكاب الجرائم. لكن احتجازهم كان مثل الجعة المعتقة...".
في فنزويلا، تسير الأمور نحو الأسوأ. ماذا تستطيع أن تفعل؟ هل يستطيع الفاتيكان أن يتوسط؟
"لقد تدخل الكرسي الرسولي بناءً على طلب أربعة رؤساء دول الذين كانوا يعملون كوسطاء، لكن ذلك لم ينجح لأن الاقتراحات التي قدمت لم يتم قبولها، أو أنها كانت ضعيفة. جميعنا يدرك الوضع الصعب لفنزويلا، هذا البلد الذي أحبه كثيرًا. إنني مدرك أنهم مصممون حاليًا على ذلك، لكنني لا أعرف المكان، كما أنني أعتقد أن الرؤساء الأربعة سيقومون بوساطة، فإنني أبحث عن الموقع. هنالك حاليًا معارضات واضحة. فالمعارضة نفسها مقسمة على ذاتها كما هو الحال في النزاع الذي يتجه يوميًا من سيء إلى أسوأ. إننا الآن نتحرك في هذا الاتجاه. فكل ما يمكن عمله يجب القيام به مع الضمانات الضرورية".
إنني أرثوذكسي. ما هي احتمالات العلاقات مع روسيا الأرثوذكسية ومع الأقباط الأرثوذكس؟ إن الاعتراف المشترك بالمعمودية هو أمر هام... كيف تقيم العلاقة بين الفاتيكان وروسيا في ضوء الدفاع عن المسيحيين في الشرق الأوسط وسورية؟
بخصوص الأرثوذكس كان لدي على الدوام علاقات صداقة ممتازة. ففي بوينس آيرس، كنت أذهب كل عيد ميلاد إلى صلاة الغروب في الكاتدرائية البطريركية الأرثوذكسية والذي يحتل رئيسها الآن منصب رئيس أساقفة أوكرانيا: ساعتان وأربعون دقيقة من الصلاة في لغة لم أفهمها. ومن ثم كنت أشارك في عشاء الرعية. ففي بعض الأحيان، عندما كان يحتاج بعض الأرثوذكس إلى مساعدة قانونية، كانوا يأتون إلى الكورية الكاثوليكية. نحن كنيستان شقيقتان. كذلك مع بابا الأقباط تواضروس الثاني: لدي علاقة خاصة؛ فهو رجل عظيم، من رجال الله، إنه بطريرك عظيم سوف يسير بالكنيسة إلى الأمام حاملاً اسم يسوع في المقدمة. لديه إرادة رسولية عظيمة، كما أنه أحد ’المتزمتين‘ بشدة للبحث عن تاريخ ثابت للاحتفال بعيد الفصح. إنني أشاركه الرأي، إلا أنه يقول: دعنا نقاتل، دعنا نقاتل! عندما كان أسقفًا بعيدًا عن مصر، كان يتوجه لتقديم الطعام إلى الأشخاص ذوي الإعاقة. إن وحدة المعمودية تستمر، أما الذنب فيعود لأمر تاريخي: في المجامع الأولى، من الواضح، أن المسيحيين آنذاك كانوا يعمدون أطفالهم في مزارات، وعندما أرادوا أن يتزوجوا كان يتم تكرار العماد تحت ظروف معينة. لقد ابتدأ الأمر معنا، وليس معهم. إنما نحن على الطريق الصحيح للتغلب على ذلك. يعترف الشعب الأرثوذكسي الروسي بعمادنا، وأنا أعترف بعمادهم. ومع الجورجيين: فإن البطريرك إيليا الثاني هو رجل الله، زاهد، وعلينا نحن الكاثوليك أن نتعلم من تقليده التقوي. في هذه المسيرة كان لدينا لقاءات مسكونية؛ تواجد برثلماوس والأنغليكان... المسكونية تسير يدًا بيد مع أعمال الخير. ليس هنالك مسكونية راكدة. على اللاهوتيين أن يدرسوا، لكن لا يمكن ذلك أن يتم في صورة جيدة إن لم نسر سويًا ونصلي سويًا... فالعلاقات جيدة أيضًا مع البطريرك الروسي كيريل ورئيس الأساقفة إيلاريون الذي جاء عدة مرات إلى روما. أما بخصوص الدولة الروسية: إنني مدرك أن الدولة تتحدث عن الدفاع عن المسيحيين في الشرق الأوسط، واعتقد أنه أمر جيد أن نتحدث ضد الاضطهاد. اليوم، هنالك شهداء أكثر مما كان في الماضي".
موقع أبونا.